وأفادت وكالة مهر للأنباء، قبل خمسة وأربعين عاما التهبت أرض الجليل شمال فلسطين المحتلة بنيران الغضب الفلسطيني بعد أن صادر الاحتلال ما تبقى من الأراضي التي يملكها فلسطينيوا ال ٤٨ الذين ظلوا في أراضيهم بعد نكبة عام ١٩٤٨ وقد شكلوا حينها خنجراً في خاصرة الكيان الاسرائيليومصدر قلق دائم للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي استحدثت في مطلع السبعينات مشروع "تطوير الجليل" بغية تغيير الواقع الديموغرافي فيه.
من هنا بدءوا بإنشاء مستوطنات على أراضيها وقاموا بمصادرة الأراضي وهو ما أشعل الأحداث في مثل هذا اليوم عام ١٩٧٦، ففي تلك الليلة خرجت الجماهير من الجليل في سخنين، وعرابة، ودير حنا في مسيرات شعبية مندّدة بالمصادرة حيث تحدوا السياسة الاسرائيلية فتم قمعهم بكل وسائل العنف حتى استشهد الشاب خير الدين ياسين من عرابة وما أن شاع خبر استشهاده في صباح الثلاثين من آذار حتى تفجرت الجماهير الفلسطينية غضباً وخرجوا في مسيرات احتجاجية واشتدت المواجهات فاستشهد خمسة مواطنين (محسن طه من كفركنا، خديجة قاسم شواهنة، رجا أبو ريا وخضر خلايلة من سخنين، رأفت علي زهيرى من مخيم نور شمس كان استشهد في مدينة الطيبة) وأصيب المئات بالرصاص والهراوات ولهذا شكل يوم الأرض علامة فارقة في تاريخ فلسطينيي ال٤٨ منذ نكبة 1948 .
هذه الاضاءة التاريخية على ذلك اليوم المشهود هي للتأكيد على أن سيناريو تصفية الأرض مازال مستمرا وما جرى عام ١٩٧٦حلقة من مسلسل يحدث يومياً ينفذه الاحتلال الاسرائيلي بعنجهية ونازية تخطت كل القوانين والأعراف الدولية فمصادرة الأراضي وهدم البيوت وانشاء المستوطنات فعل مستمر في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع بل إنه الان بات بمباركة المطبعين والمطبلين للاحتلال من العرب ففي عهد ترامب ارتفعت وتيرة الاستيطان في الضفة المحتلة، بما فيها القدس إلى الضعف عما كان عليه في أثناء حكم الإدارات الأميركية السابقة، فقد شهد العام الماضي أسرع وتيرة للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي منذ 20 عاما، حيث تم بناء أكثر من ١٥ الف وحدة استيطانية وأخذت الممارسات الاستيطانية شكلا اخر من خلال هدم سلطات الاحتلال منشآت ومساكن فلسطينية في المنطقة المصنفة "جيم" من الضفة، التي تخضع لسيطرة الاحتلال الكاملة، فقد بلغ مجمل ما هدمته سلطات الاحتلال في العام نفسه 1700 بيت ومنشأة، والأسوأ أن سلطات الاحتلال تخطط لرفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية ليبلغ نحو مليون مستوطن ..
كل تلك الممارسات لم تكن لتنجح لولا مباركة عربية من بعض الدول التي جعلت خطوات الاحتلال تتسارع للمزيد من الاستيطان والانتهاك والاغتصاب للأرض الفلسطينية فبتنا نشهد يوم الأرض بكامل أحداثه يوما بعد يوم دون أن تنتفض الدماء العربية لنصرة الفلسطينيين على عكس تلك الفترة في سبعينيات القرن الماضي حينما كان لكل شبر من أرض فلسطين قيمته وأهميته التي كانت تجعل بعض العرب يتخطون حاجز الشجب والادانة التي نسمعها اليوم، بل إننا حتى بالكاد نسمعها ..
ولهذا فصمام أمان الأرض هو صمود الفلسطينيين عليها وثباتهم وتجذرهم فيها ولعل مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة ليست بعيدة عنا فهي دليل على أن كل الأجيال التي لم تعش في أراضيها مازالت تطالب بها والتنازل عنها أمر غير وارد في العقلية الفلسطينية .. ولا يمكن أن تمر ذكرى يوم الأرض دون أن يستذكر الفلسطينيون توفيق زياد شاعر يوم الأرض الذي فجرت كلمات قصائده مشاعر الثوار حينما قال "هنا على صدوركم باقون، كالجدار.. نجوعُ، نعرى، نتحدّى .. نُنشدُ الأشعار ونملأ الشوارع الغِضاب بالمظاهرات .. ونملأ السجون كبرياء.. ونصنع الأطفال جيلاً ثائراً وراء جيل كأنّنا عشرون مستحيل.. في اللّد، والرملة، والجليل"
إسراء البحيصي
/انتهى/
تعليقك